الحبيب علي الجفري: مجلة طابة منبر جاد يمزج بين التجديد والإحياء
كتبت: آيات عبادى
استهلّ محرر مجلة طابة، الأستاذ أحمد رأفت، الحديث بتعريف المجلة والمساحة المعرفية التي تتحرك فيها، موضحًا أنّها “تعمل على تعريف التقاليد الإسلامية في دراسة العلوم الاجتماعية والإنسانية، سعيًا لإعادة إحيائها”.
وأكّد أن “هذا الهدف ليس رفاهيةً أو أمرًا تكميليًا، بل هو ضروري ومحوري لتلك العلوم نظرًا لما توفره التقاليد الإسلامية من حقائق ويقينيات حول الإنسان، الذي هو محور الدراسة”.
وأشار رأفت إلى “أهمية هذه اليقينيات في كونها الأساس الذي ننطلق منه في طلب المعرفة الاجتماعية؛ إذ لا تُستخلص هذه المعرفة إلا بناءً على معلومات دقيقة حول ماهيات الأشياء التي نقوم بتحليلها”.
وأضاف أنّ “المشكلة في التقاليد الغربية، التي بُنيت عليها العلوم الاجتماعية في صورتها الحالية، أنّها قطعت صلتها بالوحي والمقدس، وسعت إلى إحلال مفهوم الإله من خلال أداء وظائف اجتماعية مختزلة ظنوا أنّها تؤدي الدور نفسه. وقدمت تلك التقاليد رؤية كونية لا يمكننا التسليم بها، كما يصعب التوفيق بينها وبين الحقائق التي نؤمن بها”.
مفهوم النموذج المعرفي
وفي معرض سؤالٍ عن مفهوم “النموذج المعرفي”، أشار فضيلة الأستاذ الدكتور علي جمعة إلى أن هذا المفهوم له تاريخ طويل في اللغة الإنجليزية، إذ كان يُستخدم مصطلح “Paradigm” للإشارة أساسًا إلى شبكة التصريف في المعاجم، مثل (ضَرَبَ، يَضْرِبُ، اضْرِبْ، مَضْرُوب، ضَارِب). وأوضح أنّه مع ظهور الثورات العلمية، رأى توماس كُون أنّ التغير الجذري في العلم يحدث عندما يتغيّر “النموذج المعرفي (Paradigm)”، فالنموذج الذي كان سائدًا لدى اليونانيين اختلف عنه عند نيوتن، ثم تغيّر لاحقًا مع أينشتاين، مما أحدث ثوراتٍ علمية متتالية.
وأكّد الدكتور علي جمعة أنّ “النموذج المعرفي يشكّل العمود الفقري للفكر الأوروبي، وقد استُخدم في فهم العلوم. حتى إن كلمة “Science” عندما تُرجمت إلى العربية في القرن التاسع عشر قُصِرت على المعنى التجريبي، بينما يتّسع مفهوم العلم لدينا ليشمل المعقول والمنقول والمعرفة العرفانية”.
أهمية المجلة وآفاقها
من جهته، أكد مفتي الديار المصرية الدكتور نظير عياد على أهمية الحديث عن هذا الموضوع، قائلًا: “إنه من الموضوعات المهمة التي تتناول كيفية مواجهة الأحداث والظروف، لا سيما ونحن نحتفل بقدوم مولودٍ علميٍّ جديدٍ نسأل الله له التوفيق والسداد، وهو مجلة طابة الإلكترونية”.
وأوضح الدكتور نظير أنّ للفلسفة تأثيرًا بالغًا في الواقع منذ نشأتها وتطورها، مشيرًا إلى مثال الفيلسوف اليوناني سقراط، الذي اعتمد الحوار الجدلي لتفكيك الخرافات والقضاء على الأساطير، معتبرًا أن مهمته اختلفت عن التوارث التقليدي؛ إذ كان يسعى لتوليد المعاني من العقول والأذهان.
وأضاف فضيلته أنّ “النموذج الفلسفي الإسلامي لم يقتصر على المحاكاة أو التقليد، بل قدّم المفكرون المسلمون إضافاتٍ نوعيةً تستحق التجديد والتطوير. وهذا تحديدًا ما نتطلع إليه في مجلة طابة؛ حيث نأمل تحويل الأفكار المجردة إلى نصوصٍ خالدة، مستندين إلى تراثٍ حضاري يمتد من الحضارة اليونانية الأولى مرورًا بسقراط وأفلاطون وأرسطو، ووصولًا إلى المدارس الفكرية في العالم الإسلامي”.
دور المجلة في سدّ الثغرات الفكرية
عبّر الدكتور أيمن عبد الوهاب عن سعادته بهذا اللقاء وما شهده من أفكارٍ عميقةٍ تتطلب جولات نقاشية مستفيضة، مؤكدًا أنّ الهدف من إصدار مجلة طابة هو “أن تُشكّل سدًّا فكريًا يعالج الثغرات الموجودة في الخطاب الإسلامي الحالي، وأن تسهم في نقل الفكر الإسلامي إلى واقعنا المعاصر”.
وأضاف الدكتور أيمن: “نحن نشهد اليوم تحوّلاتٍ جذرية في المفاهيم التكنولوجية والصناعية؛ فقد كانت الصور الأولى للتكنولوجيا تسعى لتحسين جودة الحياة، بينما تُحدث التطبيقات الحديثة تغييرًا في فلسفة الحياة برمّتها بفضل الارتباط الوثيق بين الإنسان والآلة. وهذا يضع على عاتقنا مسؤوليةً كبيرةً في مواجهة الأفكار التي قد تُعبّر عن أزمةٍ في الفكر الغربي المعاصر”.
وأشارت الدكتورة أمل مختار إلى أنّ “أهمية مجلة طابة تكمن في كونها المنبر الأساسي لنقل رؤية المؤسسة في إطار النموذج المعرفي، إذ يتمتع هذا الموضوع بعمقٍ كبير يستدعي نقاشاتٍ متعمقة في الإصدارات القادمة”.
وتابعت: “تأتي هذه المجلة في وقتٍ نحتاج فيه إلى تجاوز الانقسامات بين مؤيدي النموذج الغربي ومن يرون في التراث مرجعًا وحيدًا، بهدف الخروج من دوامة الصراع الفكري المستمر”.
وقدم الفيلسوف الإيراني سيد حسين نصر، -البروفيسور في قسم الدراسات الإسلامية في جامعة جورج واشنطن- مشاركة عن بعد عبر الإنترنت عبر فيها عن تهنئته بإطلاق مجلة طابة، وقال إنه من المهم والضروري إصدار المجلات والكتب التي تهتم بالحكمة والفضيلة، وبين إن إطلاق هذه المجلة هي خدمة كبيرة للإسلام وإلى الحقيقة وإلى الرسالة النبوية المحمدية، وذكر أن مجلة طابة بدأت بداية قوية ونأمل أن تبقى بهذه القوة لسنوات طويلة ببحوثها عن الحكمة والفكر العميق والفلسفة الإسلامية.
التطلعات المستقبلية
أعرب معالي الدكتور أسامة الأزهري، وزير الأوقاف المصري، عن خالص تهانيه بمناسبة صدور مجلة طابة، مشيرًا إلى أنّ “هذا العمل العلمي المهم يهدف إلى نشر البحوث التي تدور في فلك اهتمامات المؤسسة”.
وأضاف: “اليوم، أشعر بفرحٍ بالغٍ لرؤية مولودٍ جديدٍ لمؤسسة طابة، يتمثل في هذه المجلة التي نأمل أن تجتذب عبر عمرها الطويل أقلام الباحثين والمعنيين بالعلوم العقلية والفلسفية وعلوم الحكمة، مع ربط ذلك بالعلوم التطبيقية. وقال: إن رؤيتنا هي أن تكون هذه المجلة بدايةً حقيقيةً لنهضة العقل المسلم”.
من جهته، هنّأ الشيخ عبد الواحد يحيى مؤسسة طابة قائلًا: “لا يجد اللسان معبرًا عن مشاعري في هذا اللقاء المبارك؛ فهو حقًا مفخرة عظيمة. الحمد لله رب العالمين الذي أتاح لنا حضور هذا الجمع الطيب، ونسأل الله التوفيق والسداد للجميع”.
الكلمة الختامية
واختتم الحفل بكلمةٍ للحبيب علي الجفري، رئيس مجلس أمناء مؤسسة طابة، الذي قال: “أشكر الله تعالى على تشريفكم حضور هذه المناسبة المباركة، وأبارك للإخوة والأبناء الذين ساهموا في إصدار هذه المجلة، فقد كانت فكرة إصدارها مطروحة منذ سنوات طويلة”.
وتابع: “نسأل الله أن تكون مجلة طابة منبرًا جادًا لنشر المقالات الوازنة التي تمزج بين مساقي التجديد والإحياء، مع تنوعٍ في الرؤى الفكرية”.
ودعا الحبيب علي في ختام كلمته إلى أن “تبقى هذه المجلة منصةً للمشاريع الفكرية العميقة، وأن تُمثّل إسهامًا حقيقيًا في صياغة المرحلة المقبلة من الفكر الإسلامي المعاصر”.