أخبار لبنان

في مناسبة اليوم العالمي للأخوة الإنسانية لا بد من موقف حول وثيقة الأخوة الإنسانية

بقلم: المحامي عمر زين*

إن وثيقة الأخوة الإنسانية وضعت في العام 2019 من اجل السلام العالمي والعيش المشترك، لمجابهة الفقر والحروب والآلام التي يعاني منها العديد من البشر في مناطق مختلفة من العالم، نتيجة سباق التسلّح الذي يقوده مجموعة صغيرة من الناس تملك القرار في الحروب، والظلم الاجتماعي، والفساد، وعدم المساواة، والتدهور الأخلاقي، والإرهاب، والعنصرية، والتطرف المتمثلة بالصهيونية العالمية مع منتجي الأسلحة الفتّاكة في العالم ورأس حربتهم في الولايات المتحدة الأميركية، فجاءت الوثيقة موجهة الى من يحملون في قلوبهم إيماناً بالله وإيماناً بالأخوة الإنسانية ليتوحدوا ويعملوا معاً من اجل أن تصبح هذه الوثيقة دليلاً للأجيال القادمة يأخذهم الى ثقافة الاحترام المتبادل.

 

لقد جاءت الوثيقة كمظلة ودعوة لنشر ثقافة التسامح والتعايش والسلام، ودعت الى اكتشاف قيم السلام والعدل والخير والأخوة الإنسانية والعيش المشترك عند المفكرين والفلاسفة ورجال الدين والفنانين والإعلاميين والمبدعين في كل مكان، الا انه مع الأسف لم يضع هؤلاء وغيرهم البرامج والخطط التي يقتضي أن تكون الدليل التنفيذي لهذه الأفكار والمبادئ التي وردت في هذه الوثيقة لتشمل كل مناحي الحياة في العالم، وذلك للإسراع في القضاء على الإحباط والعزلة واليأس قبل أن تدخل البشرية في الحرب العالمية الثالثة، والتي بدأت بوادرها اليوم تظهر بوضوح ولم يمض على هذه الوثيقة الخمس سنوات، هذا وان الإشارات الى التطرف الديني والقومي والتعصب والأزمات السياسية الطاحنة والظلم وافتقاد عدالة التوزيع للثروات الطبيعية، الى ضرورة حماية الأسرة كنواة لا غنى عنها للمجتمع وللبشرية، والتمسك بالتعاليم الدينية القويمة، والتأكيد على الحرية والعدل والحوار والمواطنة وحق المرأة في التعليم والعمل وممارسة حقوقها السياسية وحقوق الأطفال الأساسية في التنشئة الأسرية وحماية حقوق المسنين والضعفاء وذوي الاحتياجات الخاصة والمستضعفين، كل هذه العناوين تقتضي أن تعمل لها البشرية في كل الكرة الأرضية، لتنعم بحياة ملؤها السعادة والآمان.

 

وفي هذا الصدد لا بد أن نشير أننا نعيش اليوم في زمن امتلأ فيه الظلم بكل أشكاله وأنواعه، حتَّى اختلط الحق على بعض الناس فجعلوا الظلم عدلاً، والعدل ظلماً، فضاعت المفاهيم واستُبدِلَت أعلاها بأسفلها، والمعروف صار منكراً، والمنكر صار معروفاً، آلجهل انتشر وعمَّ؟ أم الفهم انقرض واضمحل؟

عرَّف ابن منظور في لسان العرب الظلم بأنَّه: وضع الشيء في غير موضعه وأصله الجوْر،ُ ومجاوزة الحد، وقد حرَّم الله الظلم على نفسه، وحرَّمه بين عباده، فقد جاء في الحديث القدسي عن النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم فيما يرويه عن ربِّه عزَّ وجلَّ أنَّه قال: (يا عبادي إنّي حرَّمت الظلم على نفسي وجعلته بينكم حراماً فلا تظالموا). وقد ورد في القرآن الكريم الفعل (ظلم) ومشتقاته في القرآن الكريم في نحو (289) موضعاً، تتموضع في أكثر من نصف سوره. وجاء الفعل (ظلم) في صورة (35) مشتقة لغوية، أكثرها وروداً مشتقة (ظالمين)، وهذا القدر من ذكر الظلم ومشتقاته يدل على مدى خطورة هذا الداء العضال على الأفراد والجماعات والمجتمعات، ومن مترادفات لفظ (الظلم) في القرآن الكريم المترادفات التالية: العدوان، النقص، الشرك، عدم تطبيق أحكام الشرع الحنيف، الفساد، الطغيان، البغي، العتو، الهضم، التعدي، الحيف، الجنف. ونزه الله سبحانه نفسه عن الظلم في آيات كثيرة، منها قوله تعالى:  (ولا يظلم ربُّك أحدا) سورة الكهف أية 49. كما توعَّد الله تعالى الظالمين – ووعده حق وواقع – توعَّدهم بالعذاب الشديد يوم القيامة، يقول سبحانه تعالى: (إنَّا أعتدنا للظالمين ناراً أحاط بهم سُرادقها وإن يستغيثوا يغاثوا بماءٍ كالمُهل يشوي الوجوه بئس الشراب وساءت مُرتفقا (سورة الكهف آية 29، وفي سورة الأعراف لعن الله الظالمين وطردهم من رحمته: (فأذَّن مؤذنٌ بينهم أن لعنة الله على الظالمين) سورة الأعراف الآية 44.

والظلم نوعان: الأول هو ظلم النفس أي أن يظلم الإنسان نفسه سواء بالأذية أو غير ذلك، والثاني هو ظلم المرء لأخيه بأخذ حقِّه أو الإعتداء عليه في دمه وماله وبدنه وعرضه ونحو ذلك. وقد كرهت النفس البشرية السوية الظلم وأنِفت منه، وحتى في زمن الجاهلية وقبل بزوغ فجر الإسلام في الجزيرة العربية كان الظلم مكروها عندهم رغم تسمية فترتهم بالجاهلية، وأكبر دليل على ذلك حلف الفضول، الذي عقد في دار ابن جدعان التميمي لمكانته شرفاً وسناً، وتداعت له 5 قبائل من قريش وقبائل كنانة وقيس عيلان، في شهر رجب المحرم قبل 20 عاما من البعثة و 33 عاما من الهجرة، تعاقدوا وتعاهدوا ليكونن يداً واحدة في نصرة المظلوم وإعادة الحقوق إلى أهلها، يستوي في ذلك أهل مكة وزائروها وعُمّارها، وردع الظالم حتى يعود عن ظلمه، يستوي في ذلك الشريف والوضيع. وسمي العقد بذلك لان قريشا قالت بعد انعقاده: لقد دخل هؤلاء في فضل من الأمر، أي في أمر فضيل وشريف وعظيم وقيل غير ذلك.

إن حلف الفضول كان تجمعاً وميثاقاً إنسانياً تنادت فيه المشاعر الإنسانية لنصرة الإنسان المظلوم، والدفاع عن الحق، ويعتبر من مفاخر العرب قبل الإسلام، وقد شهد النَّبي صلّى الله علية وسلم هذا الحلف قبل نبوته، وإنّ بريق الرضا والفرح بهذا الحلف بعد نبوته يظهر في ثنايا كلماته التي عبّر بها عنه بقوله: ” ما أحب أن لي به حمر النعم، ولو دعيت به في الإسلام لأجبت”. وحلف الفضول هذا من الوقائع التي قصدتها الوثيقة في ذكرها بأنها معتمدة على ما سبقها.

ومن الجدير ذكره في هذا المقام أن المفكر الدكتور “جورج جبّور” ظلّ يخاطب الأمم المتحدة وعددا من المنظمات الدولية الحقوقية، حتى تم الاعتراف بحلف الفضول عام 2007، إذ وردت الإشارة إليه في بيان أصدرته المفوضية السامية لحقوق الإنسان، بِعدَّه أحد مصادر الفكرة الكونية لحقوق الإنسان. ومثل هذه الإشارة لها دلالاتها المهمة، فهي تعني أن العرب قاربوا فكرة حقوق الإنسان منذ ما يزيد على 1400 سنة، ولهم رافدهم الثقافي والحضاري.

ولا يسعني في مقامي هذا الا أن أذكر أنَّ وثيقة الأخوة الإنسانية من أجل السلام العالمي والعيش المشترك اعتبرت الظلم سبب من أسباب موت الأطفال والشيوخ جوعاً في يومنا هذا…

ونقول انه لا بد من الانتباه إن للظلم عواقب وخيمة، في الدنيا قبل الآخرة، أما في الدنيا فالعاقبة للظالم ولمن لا يردعه، فقد قال خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم أبو بكر الصديق رضي الله عنه: “سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: إنَّ القوم إذا رأوا المنكر فلم يغيروه عمهم الله بعقاب” رواه أبو داود وغيره.

ونشير أن كلاً من قداسة البابا وشيخ الأزهر الشريف في إعلانهما وتعهدهما بأنهما سيعملان على إيصال هذه الوثيقة الى صناع القرار العالمي، والقيادات المؤثرة، ورجال الدين في العالم، والمنظمات الإقليمية والدولية المعنية، ومنظمات المجتمع المدني، والمؤسسات الدينية، وقادة الفكر والرأي، وانهما سيسعيان لنشر ما جاء بها من مبادئ على كافة المستويات الإقليمية والدولية، وان تدعو الى ترجمتها الى سياسات وقرارات ونصوص تشريعية ومناهج تعليمية ومواد إعلامية.

السؤال الكبير، ماذا حصل منذ إعلان الوثيقة في شباط /يناير 2019 وحتى تاريخه في تنفيذ ما أعلناه وتعهداه به كل من قداسة البابا وشيخ الازهر الشريف مما  يتطلب إجراء أبحاث علمية واحصاءات وتفعيل الوثيقة حول كل ذلك على مستوى العالم، ومثابرة المديريات التابعة للموقعين على الوثيقة لمتابعة العمل على تعميمها وتنفيذ ما جاء فيها من جانب كل الجهات المعنية، كي يعم السلام والعدالة، ويختفي الظلم من على وجه الخليقة، وهذا لا يحصل بدون ان نقف جميعاً شعوباً مع مسؤولي الامم بوجه حرب الابادة والتغيير، وضرب الحجر والبشر في غزة وغيرها حيث تجاوزت الوفيات حتى اليوم ستين الفاً والجرحى المئة الف هذا عدا المفقودين. وعلينا ان نقف وبقوة ضد كل الجرائم التي حرمتها وعاقبت عليها الاديان والمعاهدات والمواثيق الدولية، وان نستعمل كل الوسائل المتاحة لمنع تهجير الفلسطينيين من ارضهم وهم مالكيها، وهذه الحملة التي يقودها رئيس الولايات المتحدة الاميركية ليس فقط في فلسطين بل في كل الكرة الارضية. وعلينا في لبنان حمل المسؤولية والاشتراك في الوقوف بوجه التهجير، والتمسك بحق العودة.

* الأمين العام السابق لاتحاد المحامين العرب.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *