أخبار لبنان

الجبهة الوطنية ملاحظات أولية على البيان الوزاري

البيان الوزاري الذي وضعته الحكومة الجديدة جاء إنشائياً وفارغاً. صحيح أنه حمل العديد من الشعارات، ولكنه خلا بالكامل من الإلتزامات، ومن تحديد الآليات التي تحقق هذه الشعارات. وإنه لمن المستغرب حقاً أن يخلو البيان تماماً من عبارة “تلتزم أو تتعهد الحكومة بتحقيق كذا وكذا..”. سواء كان هذا الإلتزام صادقاً أو كاذباً.

إن البيان الوزاري لا يستحق التعليق لجهة ما ورد فيه، ولكن ما أغفله عن عمد هو ما يجب التوقف عنده وعند دلالته.

1- تتحدث الحكومة عن الإصلاح السياسي. أي إصلاح؟ وعن توجهها لإجراء الإنتخابات النيابية. وفق أي قانون؟

إن الشرط الأساسي للإصلاح السياسي هو إلغاء الطائفية. والمدخل إلى هذا الإصلاح هو وضع قانون انتخاب وطني لاطائفي كما تنص المادة 22 من الدستور، وكذلك بند الإصلاحات السياسية الذي نصت عليه “وثيقة الوفاق الوطني”.

إن إغفال التحديد هنا ليس سهواً، بل هو متعمد. وبالتالي فإن الحكومة هذه، كما سابقاتها، لن تحقق الإصلاح السياسي الذي هو الأساس للإصلاح في شتى المجالات. فكيف يتحقق هدف إصلاح  الدولة كما جاء في البيان، والإستجابة “لتطلعات اللبنانيين إلى دولة قادرة وعادلة، عصرية وفاعلة تستعيد ثقة مواطنيها؟

2- أما لجهة الدفاع عن الوطن فقد نص البيان الوزاري على الآتي: “والدولة التي نريد هي التي تتحمل بالكامل أمن اليلاد، والدفاع عن حدودها وثغورها، دولة تردع المعتدي..” كيف؟

ما دامت الدولة تعتمد في تسليح الجيش على الولايات المتحدة الأميركية من دون سواها، وتمنع تسليحه من أية جهة كانت حتى لو كان هذا عن طريق الهبات فكيف لها أن تتحمل مسؤولية أمن البلاد؟ هل نحن بحاجة إلى تذكير الحكومة الجديدة بأن الولايات المتحدة التي تمنع عن جيشنا السلاح هي التي تزود العدو الإسرائيلي بكل أنواع الأسلحة التي يستخدمها في عدوانه الدائم على لبنان وقتل شعبه، وتدمير مدنه وبلداته وقراه؟ نعم، للبنان الحق، كل الحق “في الدفاع عن النفس في حال حصول إعتداء” وهو إعتداء حاصل في الماضي والحاضر والمستقبل. ولكن مرة أخرى نسأل: كيف نؤكد هذا الحق بجيش منزوع السلاح، وبسياسة دفاعية مرهونة بالكامل للولايات المتحدة الأميركية حليفة العدو الصهيوني؟

بعد ذلك يعود البيان الوزاري إلى ما جاء في خطاب القسم للسيد رئيس الجمهورية حول حق الدولة في “إحتكار حمل السلاح”، وتملك وحدها “قرار الحرب والسلم”.

ممتاز. نحن معها. ولكن هل لدى الحكومة جواب على سؤال بسيط وهو: لماذا قامت حركات المقاومة في لبنان؟ والجواب أيضاً بسيط. لأن الدولة اللبنانية تخلت عن أهم واجباتها، وهو الدفاع عن الوطن، بخاصة عن الجنوب، وتركت العدو الإسرائيلي يقتل ويدمر ويهجر فهل يمكنها أو يحق لها أن تمنع المواطنين من إنشاء مقاومتهم من أجل الدفاع عن أرواحهم وبيوتهم وبلداتهم؟

نعم يجب أن تحتكر الدولة حمل السلاح. نعم يجب أن يكون قرار الحرب والسلم بيد الدولة. ولكن شرط هذا وذاك هو أولاً إقامة الدولة، التي لا يمكن أن تقوم على الطائفية. وتحرير الدولة من أية وصاية خارجية، خاصة في مجال الدفاع، فلا تلزِم الدفاع أو تتخلى عنه لرحمة الولايات المتحدة الأميركية.

3- يتحدث البيان الوزاري عن” تعزيز المساءلة والمحاسبة لمكافحة الهدر والفساد”. أين الجديد في هذا؟ فجميع الحكومات السابقة في بياناتها الوزارية كانت تكرر العبارة نفسها ولكن شيئاً من هذا لم يتحقق. لو كانت الحكومة جادة في تعزيز المساءلة والمحاسبة لبادرت فوراً إلى إلقاء الحجز الإحتياطي على أملاك جميع أولئك الذين طاولتهم شبهات الفساد وعلى أرصدتهم في المصارف اللبنانية والاجنبية. خاصة أولئك الذين تولوا الوزارات “الدسمة” كالمالية والأشغال العامة والطاقة والاتصالات و …وكذلك المؤسسات العامة كمجلس الإنماء والإعمار ومجلس الجنوب وصندوق المهجرين وغيرها وغيرها… إن عدم إقدام الحكومة على اتخاذ هذا الإجراء لا يجعل اللبنانيين يثقون بوعودها، كما إنهم من قبل لم يثقوا بوعود الحكومات السابقة.

ولا يفوتنا في هذا المجال موضوع تهريب الأموال إلى الخارج منذ العام 2017. مرةً أخرى فإن أسماء الذين ارتكبوا هذه الجريمة، وأسماء المصارف التي هربوا إليها أموالهم في الخارج معروفة جداً، فلماذا لم تعمد الحكومة إلى إيقاع الحجز الإحتياطي على ودائع هؤلاء، والطلب رسمياً من المصارف الأجنبية تجميد هذه الودائع وإعادتها للدولة اللبنانية؟

الإنشائيات البلهاء التي وردت في هذا البيان الوزاري لا تطعم جائعاً ولا تسد ومقاً.

4- أما لجهة معالجة الوضع المالي وتحقيق الإستقرار فقد وعدت الحكومة بأنها “سوف تتفاوض مع صندوق النقد الدولي…” ما شاء الله. ألم تكن إرشادات بل إملاءات صندوق النقد الدولي، التي نفذت منذ العام 1992 هي التي أوصلتنا إلى هذا الإنهيار المالي والإقتصادي الذي نعيشه اليوم، فلماذا  تكون الإملاءات الموعودة هي الحل لهذا المأزق؟ عيب عليكم.

وهناك أيضاً وأيضاً وعود في مجالات الصحة وإصلاح الإدارة والتعليم والنمو الإقتصادي وغيرها وغيرها، وهذه لا تستحق الآن أي تعليق، ولكننا سنتابع هذه القضايا في بيانات لاحقة.

بيروت في: 24 شباط 2025

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *